تبنّت بريطانيا فكرة توطين اليهود في فلسطين بعد أن برز عدد من الإنجليز المنادين بهذه الفكرة، ونشطوا لتحقيقها، وكان على رأسهم اللورد شافتزبري Lord Shaftesbury (1801- 1885م) الذي نادى بفكرة إنشاء مستوطنات يهودية في فلسطين، وقدّم مشروعاً أسماه “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض وطالب الحكومة البريطانية بتبني إعادة اليهود إلى فلسطين معتمداً في ذلك على “التدليل على صدق الكتاب المقدّس وصحة ما ورد فيه” حين شرع في إقناع بالمرستون Balmerston وزير الخارجية البريطاني بما ورد في الكتاب المقدّس. ولما عجز عن إقناعه بالدعاوي والأفكار الدينية، لجأ إلى إضافة أفكار سياسية واقتصادية تتجاوب مع المصالح الاستعمارية البريطانية في فلسطين والمشرق العربي. وقد كتب شافتزبري في يومياته 14حزيران 1838م “أمس تناولت العشاء مع بالمرستون، ورحت بعد العشاء احدثه عن مأساة اليهود وعذابهم، وكان يستمع إليّ وعيناه مغمضتان يمسك بيده كأس براندي يرشف منه ما بين وقت وآخر. وعندما تركت الحديث عن المأساة اليهودية، ورحت أحدّثه عن المصالح والمزايا التجارية والمالية التي تنتظر بريطانيا في الشرق، لمعت عيناه وتبدّى اهتمامه، وترك كأس البراندي على المائدة بجانبه وراح يسمعني”، اقتناع بالمرستون بأفكار شافتزبري قامت بريطانيا بافتتاح أول قنصلية لها في القدس في تموز 1838م، بعد أن رأت في أنّ اليهود يمكن أن يعتمد عليهم في فلسطين، خاصّة وأنّ فرنسا تمتعت منذ عام 1535م بحماية الكاثوليك، وروسيا منذ عام 1774م بحق حماية الأرثوذكس في الدولة العثمانية. كما توجّه بالمرستون للسلطان العثماني محمود الثاني في محاولة لإقناعه السماح لليهود بالاستيطان في فلسطين، مبيّناً له مدى الاستفادة التي ستجنيها الدولة العثمانية من ثروات اليهود الضخمة التي سيجلبونها معهم إلى فلسطين، بالإضافة إلى ما سيشكلونه من سد منيع في مواجهة أطماع محمد علي في أملاك الدولة العثمانية.
أمّا وزارة الخارجية البريطانية فقد أصدرت تعليماتها في 31 أيلول 1838م إلى القنصل البريطاني في القدس، يونغ Young، بمنح اليهود في فلسطين الحماية البريطانية
في حين ذهب وزير الخارجية بالمرستون لعقد التحالفات بين القوى الاستعمارية الكبرى في أوروبا لتأييده في تحقيق أهم الأهداف التي وضعها، وهي فتح باب الهجرة إلى فلسطين أمام اليهود والسماح لهم بإقامة شبكة من المستعمرات الاستيطانية فيها، لتكون في المستقبل دولة واقية وحاجزاً يعزل مصر عن سوريا ويمنع لقاءهما
ومن الشخصيات البريطانية التي تعاطفت مع الاستيطان في فلسطين لورنس أوليفانت Laurence Oliphant (1829- 1888م) عضو البرلمان البريطاني، الذي أصدر كتاباً باللغة الإنجليزية بعنوان “أرض جلعاد” The Land of Gilead ووضع فيه تصوّره لتوطين اليهود في شرقي الأردن وفلسطين وتشجيع الاستيطان فيها. كما يعتبر القس ويليام هشلرWilliam Hechler (1845- 1931م) الذي كان سفيراً لبريطانيا في فينّا لمساعدة يهود أوروبا الشرقية للاستيطان في فلسطين، وقد عمل على جمع تبرّعات لمساعدة يهود أوروبا الشرقية للاستيطان في فلسطين، وقدّم خدمات كبيرة للحركة الصهيونية من خلال الصورة التي رسمها لإسرائيل الكبرى، حين أصدر كتيباً باللغة الإنجليزية بعنوان “إرجاع اليهود إلى فلسطين حسبما ورد في أسفار الأنبياء”. (The Restoration of the Jews to Palestine according to Prophets.
أمّا ألمانيا فقد سعت فيها الفئات الدينية والاستعمارية لفصل فلسطين عن الدولة العثمانية، بعد الاضطرابات التي شهدتها فلسطين في السنوات الأخيرة من الحكم المصري، عندما قدّم ملك بروسيا ويلهلم الثالث Wilhelm III عام 1840م مبادرة للدول الأوروبية الأخرى للموافقة على وضع فلسطين تحت الحماية البروسية، ولكنها فشلت في ذلك بسبب رفض المستشار النمساوي مترنيخ Metternich لهذه المبادرة(34). فلجأت بروسيا إلى فتح أول قنصلية لها في القدس عام 1842م، ومنحت الحماية لكل من طلبها من اليهود، وخاصة من كانت إقامتهم غير شرعية.
كما قام الضابط البروسي، هلموت فون مولتكة Helmuth Von Moltka بنشر سلسلة من المقالات عام 1841م باللغة الألمانية Germaney and Palestine تحت عنوان “ألمانيا وفلسطين” دعا فيها إلى إنشاء “مملكة القدس”، وطالب بتشجيع الاستيطان في هذه المملكة الجديدة، من أجل تحويلها إلى مركز متقدّم للحضارة الأوروبية في مواجهة المسلمين المتعصبين(36). وقد تبنّى بسمارك فكرة الاستيطان اليهودي في فلسطين والمناطق المحاذية لخطّ سكة الحديد بغداد- برلين للحفاظ على المصالح الألمانية مقتنعاً بأنّ اليهود سيحمون هذه المصالح. أمّا قيصر ألمانيا ويلهلم الثاني Wilhelm فقد أدرك بأنّ ألمانيا ستفيد كثيراً إذا ما تبنّت المشروع الصهيوني وعملت على تحقيقه.
وقد لعبت أمريكا أيضاً دوراً هاماً في تشجيع الاستيطان الصهيوني في فلسطين. ومن أشهر الصهيونيين الأمريكيين وليام بلاكستونWilliam Blackstone (1841- 1935م) الذي عمل لمصلحة اليهود قبل ظهور الحركة الصهيونية وقد كان لأفكار بلاكستون وأتباعه من الكنيسة البروتستانتية الدور الكبير في تشكيل الحركة الصهيونية في أمريكا، التي عملت جاهدة من أجل تشجيع وتنشيط استيطان اليهود في فلسطين. كما كان للكتاب الذي أصدره بلاكستون عام 1878م بعنوان “عيسى قادم” أثر كبير في كثير من القضايا والكتاب ورجال البرلمان ورجال الدين الأمريكيين، حتى أنه حينما قدّم بلاكستون اقتراحاً للرئيس بنيامين هاريسون Benyamen Haryeson في 5 آذار 1891م يدعو فيه إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، سارع العديد من كبار الشخصيات الأمريكية للتوقيع عليه، ومنهم القاضي لمفيل Lamfiel، ورئيس مجلس النواب فولير Foleir وجون روكفيلر John Rokfelr ووليام روكفلر William Rokfelr من كبار الشخصيات الأمريكية.
وقد رافق هذا الإطار العام للأفكار والمشاريع الاستيطانية لفلسطين التي طرحتها وتبنتها الدول الاستعمارية الغربية، نشاط عدد من المفكرين اليهود كالحاخام يهودا القعلي Yehuda Alkalai (1798- 1878م)، والحاخام تسفي كاليشر Tzvi Kalischer (1795- 1874م)، والحاخام صموئيل موهيليفرSamuel Mohilever (1824- 1898م)، وقد أدّى هذا النشاط بدوره إلى تبلور عدد من الجمعيات اليهودية الناشطة والداعية إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ومن أبرز هذه الجمعيات التي كان لها دور مميز في الفكر الاستيطاني الصهيوني الجمعيات والحركات التالية:-
– جميعة الأليانس (التحالف اليهودي العالمي) Alliance Esrailite Universale:
تأسست هذه الجمعية الصهيونية عام 1860م في باريس، على يد بعض الناشطين اليهود هناك، إثر الدعوات التي نادى بها الحاخام تسفي كالشير لتأسيس جمعيات هدفها الاستيطان اليهودي في فلسطين. وقد عملت هذه الجمعية على تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومد يد العون إلى المهاجرين اليهود، وقامت بافتتاح مدرسة مهنية في العام 1865 هدفها تدريب اليهود على المهن المختلفة. وفي العام 1867م قامت بتأسيس سلسلة من المدارس الابتدائية في القدس وحيفا ويافا وصفد وطبريا لتعليم الفرنسية والدين اليهودي، كما قامت في العام 1870 بتأسيس أول مدرسة زراعية يهودية في فلسطين على أراضي قرية يازور على بعد 4كم جنوب شرق مدينة يافا، استجابة لنداء الحاخام كاليشر، وأسمتها “مكيفاه إسرائيل الزراعية” Mikve Yisra’el وهدفها تعليم أبناء اليهود الزراعة، وذلك لإنشاء مستوطنات زراعية في فلسطين.
وقد لعبت هذه المنظمة دوراً بارزاً في تنظيم ومساعدة المهاجرين اليهود من شرق أوروبا منذ العام 1869م، وأسست لجنة لتنظيم عمليات هجرة اليهود بالتنسيق مع المنظمات الصهيونية الأخرى مثل جمعية الاستيطان اليهودي Jewish Colonization Association. وقد كان لهذه الجمعية اهتمام كبير في المجال الثقافي والتعليمي، حيث أسست عدداً هائلاً من المدارس في العديد من البلدان مثل المغرب، وسوريا، والعراق، وتونس، وإيران، وغيرها من بلدان العالم، التي كان الهدف منها هو الوصول للجاليات اليهودية بهدف تسهيل عملية هجرتها لفلسطين.
– جمعية البيلو Bilu:
أنشئت هذه الجمعية على يد مجموعة من الطلبة اليهود في جامعة خاركوف الروسية عام 1882م، وأطلق عليها اسم “بيلو” لأنها كانت تدعو اليهود للهجرة إلى فلسطين تحت شعار “إذا لم أساعد نفسي فمن يساعدني، يا بيت يعقوب هلم بنا نذهب” وقد أنشئت هذه الجمعية كرد فعل على المذابح والاضطهاد الذي لقيه اليهود في روسيا عام 1881- 1882م، ونادت بالبعث القومي لليهود وذلك للهجرة إلى فلسطين، لإيمانهم بأنه لا مكان لليهود في حضارة أوروبا، وإقامة مستوطنات زراعية فيها
وفي محاولتهم لتطبيق أفكار حركتهم انقسم أعضاء هذه الجمعية إلى فريقين، فريق طالب بالهجرة المباشرة إلى فلسطين وإقامة المستوطنات فيها بشكل مباشر، وفريق آخر طالب بضرورة الحصول على موافقة السلطان العثمانية لليهود بالهجرة إلى فلسطين وإنشاء المستوطنات فيها، ولكن هذا الفريق الأخير لم يوفّق في مسعاه لدى السلطان العثمانية، وقد عمل أعضاء هذه الجمعية الذين هاجروا إلى فلسطين بالزراعة كما أنشأوا العديد من المستوطنات الزراعية فيها كمستوطنة عكرون جنوب الرملة، ومستوطنة جديرا على أراضي قرية قطرة.
– جمعية أحياء صهيون Hibbat Zion:
هي عبارة عن مجموعة من الجمعيات اليهودية، التي أنشئت في دول أوروبا الشرقية كرد فعل على المذابح التي تعرّض لها اليهود في روسيا 1881- 1882م، كما أنشئت مجموعة أخرى من الجمعيات في أوروبا الغربية باسم أحبّاء صهيون كان معظم أعضائها من يهود أوروبا الشرقية(52). وقد كان للأفكار التي نادى بها المفكر اليهودي موسى هسMoses Hess (1812- 1875م) دور في نشأة الفكر الصهيوني والحركات الصهيونية ومنها أحبّاء صهيون، من خلال كتابه الذي نشره باللغة الأمانية بعنوان “روما والقدس” Rome and Jerusalem دعا فيه إلى إقامة للمسألة اليهودية، ولذلك نادى بفكرة القومية اليهودية وإقامة دولة يهودية.
كما كان هناك دورٌ في إنشاء هذه الجمعيات للطبيب الروسي ليوبنسكرLeo Pinsker (1821- 1891م) الذي نشر كتاباً باللغة الألمانية بعنوان “التحرّر الذاتي” Auto-Emanzipation عام 1882م، دعا فيه للسماح لليهود بالهجرة بعد تعرّضهم للاضطهاد الروسي، ولكنه لم يذكر في كتابه أنّ الهجرة يجب أن تكون إلى فلسطين، مما أدى إلى تعرّضه لنقد شديد، واضطره ذلك لتغيير آرائه بالهجرة لفلسطين ويصبح صهيونياً ملتزماً. وقد دعا بنسكر إلى وحدة اليهود كي يصبحوا أمة، وعليهم توحيد جهود الجمعيات اليهودية التي كانت تعمل للاستيطان في فلسطين وأصبح رئيساً لأول مؤتمر لهذه الجمعيات عام 1884م إلى جانب مفكرين يهود وآخرين كموشي ليلينبلومMoshe Lilienblum (1843- 1910م) وبيرتس سمولنسكينPetetz Smolenskin (1842- 1885م).
وقد عملت جمعيات أحياء صهيون على دعم الاستيطان الصهيوني في فلسطين، وكان لها الدور الأكبر في إنشاء المستوطنات الزراعية الأولى في فلسطين، وكان أولها (تباح تكفا على أراضي قرية ملبس، وريشون لتسيون على أراضي قرية عيون قاره عام 1882م، ثم روش بيناه على أراضي قرية الجاعونة قرب صفد، زخرون ياكوف على أراضي قرية زمارين جنوب حيفا، والجديرة على أراضي قرية قطرة). حيث بلغ عددها تسع مستوطنات في مطلع الثمانينات من القرن التاسع عشر.
وبإقامة هذه المستوطنات التي ترافقت مع موجة الهجرة الأولى إلى فلسطين، التي امتدت من عام 1882- 1904م، باستطاعتنا القول إنّ الفكر الاستيطاني انتقل نقلة نوعيّة من مشاريع فكرية إلى مشاريع استيطانية عملية أخذت مجراها على أرض الواقع حتى بلغت مع نهاية الهجرة الأولى نحو أربعة وعشرين مستوطنة.
– الحركة الصهيونية Zionist Movemment:
رافق موجة الهجرة الصهيونية الأولى إلى فلسطين، بروز المفكر الصهيوني ثيودور هرتزل(62) Theodor Herzl(1860- 1904م)، الذي يعتبر المؤسس الحقيقي للمنظمة الصهيونية العالمية، وقد قام هرتزل بنشر أفكاره في كتاب باللغة الألمانية بعنوان “الدولة اليهودية” Der Judenstaat عام 1896م. ودعا فيه إلى إقامة دولة يهودية، ومن المفضّل أن تكون فلسطين التي قال عنها “أنها وطن اليهود التاريخي الذي لا يمكن أن ينسى، ويكفي أن سحر هذا الاسم سيجلب اليهود إليها”.
ومن أجل ذلك قام هرتزل بتقديم مشروع استيطاني يعتمد في تنفيذه على إنشاء شركة يهودية ذات امتياز، وكان متأثراً بتجربة شركة الهند الشرقية في استيطانها الاستعماري للهند، وكان هدفه من وراء ذلك استقطاب رجال المال اليهود للمساهمة في إنشاء هذه الشركة، ودعا إلى الاعتماد على فقراء اليهود الذين سيضعون الأسس الضرورية لإقامة هذا المجتمع الجديد.
كما دعا إلى عقد مؤتمر صهيوني عالمي كان يهدف من ورائه إلى تجميع جهود الحركات الصهيونية المختلفة، وجهود اليهود في استيطان فلسطين، وقد عقد هذا المؤتمر في مدينة بال السويسرية ما بين 29- 31 آب 1897م، وحضره أكثر من مائتي يهودي. وخرج هذا المؤتمر بقرارات هامة عرفت “ببرنامج بال” وتلخصت فيما يلي:-
العمل على تطوير الاستعمار الاستيطاني في فلسطين، وتنظيم اليهود وربطهم جميعاً عبر مؤسسات مناسبة على الصعيد المحلي والعالمي، وتقوية الحسّ والوعي القومي لدى اليهود، ومن أجل ذلك يجب اتخاذ خطوات تمهيدية من أجل الحصول على موافقة حكومية لتحقيق أهداف الصهيونية(65)، وبعد أن أنشئت أول أدوات عملية الاستيطان في مؤتمر بال وهي المنظمة الصهيونية العالمية، بدأت تتشكل أجهزة الاستيطان الأخرى حيث أنشأ عام 1899م “صندوق الائتمان اليهودي للاستعمار” Jewish Colonial Trust الذي كان الهدف الأساسي من إنشائه دعم المستوطنات اليهودية في فلسطين، وقد سجّل في لندن كشركة مساهمة محدودة، وأقيم في عام 1903م بنك فرعي لهذا الصندوق في فلسطين عرف باسم “البنك البريطاني الفلسطيني Anglo-Palestine Bank”،وما أقيم في عام 1901م الصندوق القومي اليهودي “الكيرن كايمت” Keren Kayemeth وكان الهدف من إنشائه هو تجذير الاستيطان الصهيوني في فلسطين من خلال شراء أراض في فلسطين تكون ملكاً لليهود لا يمكن بيعها
ومع إنشاء هذه المؤسسات الاستيطانية، ومع الهجرة اليهودية الثانية لفلسطين التي امتدت ما بين عامي 1904- 1914م، بدأ الانتقال من مرحلة الاستيطان التأسيس إلى مرحلة الاستيطان المنظم، حيث شرعت هذه المؤسسات من تكثيف عملية شراء الأراضي في فلسطين لإقامة مستعمرات عليها. كما تميّزت هذه المرحلة بسعي مستوطني هذه الهجرة لتحقيق أهداف ثلاث وهي أرض عبرية، وعمل عبري، ولغة عبرية. وأنشئت في هذه الفترة أيضاً أولى الأحزاب الصهيونية في فلسطين حيث أنشىء عام 1905م حزب “هابوعيل هاتسعير” Ha-Poel Ha Azair ومن أهم مبادئه تحقيق الصهيونية على “أرض إسرائيل” Eretz Israel من خلال الاستيطان الصهيوني، واحتلال العمل من قبل العامل اليهودي، وفي العام نفسه أنشىء أيضاً حزب “بوعالي تسيون” Poalei Zion الذي كان من أهم زعمائه ديفيد بن غوريونDavid Ben Gurion (1886- 1973م)، ومن أهم أهدافه الأساسية إقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين، وتحقيق الاستقلال السياسي للشعب اليهودي والعمل على تحقيق أهداف هذه المرحلة.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ووقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني إثر إصدارها لوعد بلفور عام 1917م الذي يعطي الحق لليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، دخل الفكر الاستيطاني الصهيوني مرحلة جديدة، تمثلت بالغزو الاستيطاني الرسمي لفلسطين، وبتشجيع وحماية سلطات الانتداب، حيث شرعت الحركة الصهيونية بنشاط مكثف على الصعيد الدولي والمحلي لإخراج وعد بلفور إلى حيّز التنفيذ، الذي قال فيه بن غوريون “إنّ وعد بلفور سيظل قصاصات من الورق ما لم نعمل نحن على استحضار اليهود إلى فلسطين وتهيئة الأرض للاستيطان على مدى واسع أمّا وايزمن فقال “ليس وعد بلفور سوى إطار وهذا الإطار يجب أن نملأه بجهودنا”
وشرعت الصهيونية على الصعيد الدولي بجملة جهود مكثفة من أجل الحصول على وضع دولي وحقوقي للاستيطان الصهيوني لفلسطين في سبيل إنشاء وطن قومي لهم فيها
أمّا على الصعيد المحلي فقد نشطت المؤسسات الصهيونية القائمة في عملية تطوير الاستيطان القائم، وإقامة مستوطنات جديدة من خلال عملية السيطرة على الأرض وشراء أراض جديدة، وقد نشأ أيضاً العديد من المؤسسات الصهيونية في هذه الفترة لخدمة هذا الهدف ومنها الاتحاد العام للعمال اليهود في فلسطين “الهستدروت” Ha-Hestadrot تأسس عام 1920م، الذي لعب دوراً رئيساً في عملية الاستيطان الصهيوني وبناء دولة إسرائيل حيث قال بن غوريون “بدون هذا الاتحاد أشك في أننا كنّا سنحصل على دولة
وأنشىء أيضاً عام 1921م الصندوق التأسيسي لفلسطين “الكيرن هايسود” KerenHayesod لينشط في مجال الهجرة والاستيطان من أجل تنفيذ وعد بلفور
وأنشئت أيضاً الوكالة اليهودية The Jewish Agency لفلسطين عام 1922م بناءً على المادة الرابعة من صك الانتداب البريطاني، التي وسعت عام 1929م لتلعب دوراً رئيساً في الهجرة اليهودية لفلسطين، وامتلاك الأراضي والاستيطان عليها
وقد لعبت هذه المؤسسات بالتنسيق مع التنظيمات الصهيونية المسلحة مثل الهاغاناه، وإتسل، وليحي دوراً رئيساً في الاستيطان الصهيوني لفلسطين وتفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها الشرعيين بلوغاً إلى تحقيق هدف هذا الاستيطان في إقامة الدولة اليهودية على الأراضي الفلسطينية عام 1948م.
Comments