top of page

نائلة الوعري: الرواية المقدسية بحاجة إلى توثيق شامل

  • صورة الكاتب: O2 graphic
    O2 graphic
  • 19 أكتوبر
  • 6 دقيقة قراءة
ree


أوس يعقوب 19 أكتوبر 2025 وُلدتِ الباحثة والمؤرّخة الفلسطينية الدكتورة نائلة فايز الوعري في حارة السعدية داخل البلدة القديمة في مدينة القدس المحتلّة عام 1953. هجّرت قسرًا مع عائلتها، وهي في سن 13 عامًا، عن مسقط رأسها، عقب هزيمة حزيران/ يونيو عام 1967 إلى العاصمة الأردنية عمّان، ومنها انتقلت مع العائلة إلى البحرين، التي تقيم فيها وتحمل جنسيتها.

الوعري مجازة في فرعين من العلوم الإنسانية: ليسانس آداب "قسم وثائق ومكتبات"، في جامعة القاهرة عام 1976، وليسانس "تاريخ حديث ومعاصر"، في جامعة بيروت العربية عام 2002، ونالت دبلوم الدراسات العليا من قسم التاريخ، وماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر، ودكتوراه دولة (Ph.D) في التاريخ الحديث والمعاصر، في جامعة بيروت العربية عام 2010.

تخصّصت الوعري في تاريخ فلسطين الحديث والمعاصر عامّةً، وتاريخ مدينة القدس خاصّةً. وشاركت في العديد من الندوات والمؤتمرات العربية والدولية عن القضية الفلسطينية. وفي رصيدها العلمي عدد هامّ من الأبحاث المحكّمة والمنشورة في مجلّات ومواقع عالمية.

صدرت لها الكتب التالية: "القدس عاصمة فلسطين السياسية والروحية (1908-1948)"، (2022)، و"موقف الولاة والعلماء والأعيان والإقطاعيين من المشروع الصهيوني (1856-1914)"، (2012)، وكلاهما صدرا عن المؤسّسة العربية للدراسات والنشر، بيروت/ عمّان. و"فلسطين في كتب الجغرافيين والرحالة العرب والمسلمين من القرن الثالث إلى القرن الرابع عشر الهجري"، جزآن، دار ورد الأردنية للنشر، عمّان، (2014)، و"دور القنصليات الأجنبية في هجرة وترسيخ الاستيطان في فلسطين (1840-1914)"، دار الشروق، عمّان، (2006).

وآخر مؤلّفاتها كتاب "مسيرة النضال الشعبي في القدس العاصمة 1917–2025"، الصادر أخيرًا عن المؤسّسة العربية للدراسات والنشر، بيروت/ عمّان، والذي يُكمل حلقات الرواية التاريخية عن مدينة القدس المحتلّة، بعد كتابها "القدس عاصمة فلسطين السياسية والروحية (1908-1948)".

هنا حوار معها حول كتابها الجديد، ومشروعها البحثي والتأريخي المتخصّص في تاريخ فلسطين والقدس الحديث والمعاصر، الذي تفرغت له منذ عقود:


(*) كيف تنظرين إلى العلاقة بين كتابك الأخير "مسيرة النضال الشعبي في القدس العاصمة 1917–2025" وكتابك السابق "القدس عاصمة فلسطين السياسية والروحية (1908-1948)"؟ وهل يُعدّ هذا العمل استكمالًا لمسار بحثي تأريخي بدأته منذ عقود؟

بالفعل، يمكن القول إنّ الكتاب الجديد هو امتداد طبيعي لمشروع بحثي طويل بدأته منذ سنوات، يهدف إلى إعادة بناء الرواية التاريخية للقدس من الداخل، وبصوت أبنائها.

في كتابي الأوّل، تناولت القدس من زاوية كونها العاصمة السياسية والروحية لفلسطين، وهو وثيقة مهمّة في محتوياته ومضامينه فهو يتحدّث عن المرتكزات والمقوّمات والمؤهّلات التي امتلكتها مدينة القدس لاحتلال مكانة الريادة كعاصمة لفلسطين، أمّا في هذا العمل فقد ركّزت على مسيرة وتاريخ النضال الشعبي للمدينة، التاريخ، الجغرافيا، الأرض، المدّ الشعبي، الرسالة والرؤيا، والثوابت الفلسطينية، ثمّ دور مؤسّسات المجتمع المدني، ودور الإنسان المقدسي، ومساهمته في حماية الهوية الوطنية والدينية، من خلال الفعل اليومي والمقاومة المدنية.

كلا العملين يشكّلان معًا لوحة متكاملة لمسيرة القدس الحديثة: من سياسات الاحتلال إلى دينامية الصمود الشعبي.

ree


(*) ما الذي يمنح النضال الشعبي في القدس هذه الخصوصية داخل التجربة الفلسطينية العامّة؟

النضال الشعبي في القدس يتميّز بأنّه مقاومة متجذّرة في الوعي الجمعي أكثر من كونه حراكًا منظّمًا. هو فعل يومي تتوارثه الأجيال، ويتّخذ أشكالًا مختلفة حسب المرحلة: من الرباط والمجاورة في المسجد الأقصى والدفاع عنه كما حصل في رفض المقدسيين، وتفكيك الكاميرات والأبواب الإلكترونية، والصمود أمام مصادرة البيوت مثل "الشيخ جراح"، وغيرها من النشاط الثقافي والاجتماعي الذي تقوم به الاتّحادات والنوادي وطلبة المدارس.

هذه الخصوصية نابعة من أنّ المقدسيين وجدوا أنفسهم دائمًا في قلب الصراع، لكنّهم تمسّكوا بالأساليب السلمية والمدنية لحماية مدينتهم، رغم اختلال موازين القوّة. إنّه نضال يؤمن بأنّ الثبات في الأرض، والبقاء في الحيّ، والتعليم، وحماية الذاكرة – هي جميعها أشكال مقاومة لا تقلّ أهمّيّة عن المواجهة المباشرة.


(*) ما الذي دفعكِ إلى تأليف هذا الكتاب تحديدًا في هذا التوقيت؟

جاءت الفكرة من إحساسي بأنّ الرواية المقدسية بحاجة إلى توثيق شامل يربط بين بدايات الانتداب البريطاني وما نعيشه اليوم. لقد تراكمت لدى المقدسيين تجربة نضالية استثنائية، لكنّها لم تُقدّم بعد كمسيرة واحدة متّصلة الحلقات. أردت أن أكتب هذا التاريخ من زاوية الذاكرة الجمعية، وأن أُبرز كيف تحوّل النضال الشعبي إلى ثقافة وسلوك اجتماعي متوارث ومستمرّ. اختيار الزمن الممتدّ من عام 1917 إلى العام الحالي (2025) لم يكن اعتباطيًا، بل لأنّه يغطّي قرنًا كاملًا من التحوّلات السياسية والإنسانية التي صاغت وعي المدينة.


(*) ماذا عن منهجك في جمع المادّة التاريخية وتوثيقها؟ وكيف تعاملتِ مع تعدّد المصادر؟

اعتمدت في هذا العمل على الجمع بين المنهج الوثائقي والمنهج الميداني. استعنت بالأرشيفات البريطانية والعثمانية، وسجلات المحاكم الشرعية في القدس، ووثائق الأوقاف الإسلامية، إلى جانب شهادات مقدسية حيّة وأبحاث أكاديمية حديثة. كنت حريصة على المقارنة بين الرواية الرسمية والمصادر المحلّية لتصحيح الانحيازات التاريخية التي رافقت الكتابة عن القدس. أؤمن بأنّ المؤرّخ لا يملك الحقيقة وحده، بل عليه أن ينصت للذاكرة الشعبية لأنّها جزء من الوثيقة نفسها.


(*) يغطّي الكتاب مرحلة ما بعد 1967 حتّى اليوم. كيف تناولت هذه الحقبة في ضوء استمرار التهويد والاستيطان؟

ركّزت على أنّ الاحتلال بعد عام 1967 لم يكن مجرّد احتلالٍ عسكري، بل كان مشروعًا ممنهجًا لإعادة تشكيل المدينة ديمغرافيًا بطرد سكّانها وإجبارهم على الرحيل. في المقابل، أظهرت كيف تصدّى المقدسيون لذلك من خلال المبادرات المجتمعية: لجان الأحياء، المدارس، النوادي الثقافية، والرباط في الأقصى. هذه الفعاليات المدنية مثّلت الوجه الأوضح للنضال السلمي، وأثبتت أنّ الحفاظ على الوجود العربي في القدس كان وما يزال شكلًا من أشكال المقاومة العميقة. إنّ كلّ بيت لم يُهدم، وكلّ طفل تعلّم في مدرسة مقدسية، هو شاهد على فشل سياسة الإقصاء.


(*) كيف تقيمين الموقفين العربي والإسلامي تجاه القدس اليوم؟

المؤلم أنّ الموقفين العربي والإسلامي لم يرقيا إلى مستوى الخطر المحدق بالمدينة. هناك دعم معنوي وخطابات تضامن، لكنّها لا تتحوّل إلى سياسات ملموسة. لقد تُركت القدس وحدها تواجه أخطر مراحل التهويد، فيما اكتفت الأنظمة بالمراقبة أو البيانات. ومع ذلك، يبقى في العالم العربي والإسلامي وعيٌ شعبي متجذّر تجاه القدس، وهذا الوعي هو الرصيد الحقيقي الذي نعتمد عليه اليوم في مواجهة الإهمال الرسمي.


(*) لماذا تركّزين على الكتابة عن فلسطين عامّةً، والقدس خاصّةً، في هذا الوقت بالذات؟

لأنّ الكتابة عن القدس فعل مقاومة لا يقلّ عن الفعل الميداني. في زمن تُنتج فيه الروايات المزيفة بسرعة، يصبح واجب المؤرّخ أن يقدّم الرواية الأصلية بأمانة. كلّما اشتدّت الهجمة على هوية المدينة، ازدادت الحاجة إلى التوثيق. أنا أكتب لأنّني أؤمن أنّ الذاكرة هي السلاح الأخير الذي لا يُنتزع، وأنّنا من خلالها نمنح الأجيال القادمة حقّ المعرفة والوعي.

ree

(*) بعد هذه المسيرة الطويلة، هل أنت راضية عن تجربتك مع الكتابة والبحث؟

أرى رحلتي مع الكتابة رحلة وعي وطني قبل أن تكون مسارًا علميًا ومهنيًا. كلّ كتاب أنجزته كان ثمرة سنوات من البحث المتواصل، والمراجعة الدقيقة والعودة للوثائق وسجلات المحاكم والجرائد، وكلّ ما وصل لي من روايات شفوية عن قصص المقاومة وأشكالها في القدس. أنا راضية لأنّني حافظت على خطّ فكري واضح، وكتبت ما أؤمن به أنّه حقّنا وأرضنا التي سلبوها منّا. لكنّ الرضى لا يعني الاكتفاء، بل يدفعني إلى مزيد من البحث والتعمّق في جوانب لم تُدرس بعد من تاريخ القدس.


(*) كيف تلقيت تفاعل القرّاء مع كتابك الأخير؟

ما لاقيته من القرّاء والكتّاب وزملائي المؤرّخين كان مؤثّرًا وعميقًا. لأنّ ما كتبته عن القدس في كتابي "القدس عاصمة فلسطين السياسية والروحية" ظلّ حاضرًا في ذاكرة القرّاء، واعتبر الكثيرون أنّ كتابي الجديد "مسيرة النضال الشعبي في القدس العاصمة" هو تكملة طبيعية لمسار التأريخ للمدينة. حتّى الآن لم يصل الكتاب للقرّاء عامّة في القدس، لكنّني أرسلت نسخًا محدودة لعدد من المؤرّخين والباحثين في جامعة القدس. ومن خلال التغطيات الصحافية والندوات التي رافقت الإصدار، شعر الناس أنّ الكتاب يوثّق ذاكرتهم اليومية ونضالاتهم منذ عام 1917 حتّى اليوم. التفاعل الواسع من القرّاء والصحافة والباحثين شكّل حافزًا للاستمرار، لأنّ هدف الكتاب منذ البداية أن يكون جسرًا بين البحث الأكاديمي والوعي الشعبي. وهذا بالنسبة لي أعظم وسام يمكن أن أناله كمؤرّخة.


(*) هل تفكّرين في كتابة مذكراتك أو سيرتك الذاتية مستقبلًا؟

قد يأتي ذلك يومًا، لكنّني أرى أنّ المذكرات ليست غاية بحدِّ ذاتها. ما يشغلني الآن هو أن أُكمل ما بدأته في توثيق التاريخ الجمعي للقدس، لأنّ سيرتي الشخصية تتقاطع معه. ربّما أكتب يومًا سيرة توثّق ذاكرة جيل بأكمله عاش التهجير والمنفى، لا سيرتي الفردية فقط. لكن عندما أكتب، سأفعل ذلك بلغة تحافظ على التوازن بين العاطفة والمعرفة، كما أفعل في أبحاثي التاريخية.


(*) ما المشاريع التي تعملين عليها حاليًا؟

أعمل على أكثر من مشروع بحثي جديد، أبرزها دراسة موسّعة حول التمدّن العمراني المقدسي خارج سور المدينة، وهو عمل يجمع بين التاريخ العمراني والاجتماعي لمدينة القدس والسيرة العائلية لخروج آل الوعري من داخل السور في البلدة القديمة إلى غربي القدس، والإعمار في منطقة البقعة في أواخر القرن التاسع عشر وحتّى عام 1948 بعد حصول النكبة واحتلال غربي القدس ورحيلهم إلى مناطق القدس الأخرى.

هذه المشاريع هي جزء من مسيرة الوعي، لأنّ تاريخ القدس لم يُدرّس بعد كما يجب، وما كتب عن المدينة لا يكفي لتغطية عمقها وتنوّع مراحلها وحقولها التاريخية.


(*) كلمة أخيرة لقراء "ضفة ثالثة"

تحية تقدير لموقع "ضفة ثالثة" وقرّائه، ولكلّ الأقلام التي تؤمن بأنّ الثقافة فعل مقاومة. إن تسليط الضوء والكتابة عن قضايا القدس والنضال الشعبي الفلسطيني ليس مجاملة لكاتب، بل هو إسهام في صون الذاكرة والوعي الجمعي.


ملاحظات إضافية:


أسّست الدكتورة نائلة الوعري "تجمع نساء من أجل القدس" عام 2003، وأنشأت له فروعًا في الدول العربية والأجنبية.

هي عضو مجلس أمناء "مؤسّسة فلسطين الدولية"، وعضو "منتدى الفكر العربي"/ عمّان، وعضو "مجلس المرأة للتنمية الاجتماعية"/ غزّة، بالإضافة إلى عضويتها في عدّة مجالس فكرية، ومراكز بحوث ودراسات، وجمعيات فلسطينية وعربية ودولية مناصرة للقضية الفلسطينية.

 
 
 

تعليقات


bottom of page