top of page

د. نائلة الوعري: الخطر الديموغرافي في الفكر الصهيوني: القدس نموذجًا

  • صورة الكاتب: O2 graphic
    O2 graphic
  • 22 سبتمبر
  • 3 دقيقة قراءة
ree

د. نائلة الوعري

لم يكن الصراع على فلسطين يومًا صراعًا حدوديًا فحسب، بل هو معركة على التاريخ والهوية والوجود. منذ اللحظة الأولى لميلاد المشروع الصهيوني، أدرك قادته أن الخطر الحقيقي ليس في حدود مرسومة أو معركة عابرة، بل في بقاء الفلسطينيين على أرضهم وتكاثرهم الطبيعي، وهو ما أسموه (الخطر الديموغرافي)



ad

هذا المقال يتتبع جذور هذه العقيدة، من البدايات الأولى وصولًا إلى وثائق مؤتمرات هرتسليا، التي وضعت “المعادلة السكانية” في صميم استراتيجية الدولة العبرية. كما يسلّط الضوء على سياسات التهويد في القدس، وسحب الهويات، والجدار الفاصل، ومقولة «الوطن البديل» باعتبارها أدوات لإدارة هذا الهاجس المزمن , وليس هذا فقط بل سنكمل الحديث عن الخطر الكامن في سياسة التهجير والتهويد والطرد ووالابادة في باقي مدن فلسطين والضفة وما نراه اليوم من تطبيق عملي لسياستهم لاكمال المشروع الصهيوني وتفريغ مدينة غزة بعد حرب الابادة الاخيرة .

إن ما تكشفه هذه الوثائق والسياسات ليس مجرد قلق إسرائيلي من المستقبل، بل مشروع استيطاني إحلالي لا يرى للفلسطيني حقًا في الوجود ولا يعترف بتاريخهم الممتد. ولهذا، فإن صمود الفلسطينيين وتمسّكهم بأرضهم وذاكرتهم هو الرد الأعمق على هذا الهاجس، وهو ما يجعل القدس اليوم نموذجًا مكثفًا لصراع الذاكرة والوجود.

ad

أولاً: البدايات: الخوف من الأغلبية العربية

منذ نشأة المشروع الصهيوني في أواخر القرن التاسع عشر، كان الهاجس الديموغرافي حاضرًا. فقد انطلقت الدعاية الصهيونية من أسطورة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، في محاولة لتجاهل الوجود الفلسطيني الكثيف ومع بدايات الاستيطان، أدرك قادة الحركة الصهيونية أن السيطرة على الأرض وحدها لا تكفي، بل لا بد من التحكم في السكان أيضًا. ولهذا، منذ النكبة عام 1948 وحتى اليوم، ظل الطرد والتهجير والحد من عودة اللاجئين الركيزة الأساسية في بناء ما يسمونه “الدولة اليهودية”

ثانيا :القدس والسياسة الديموغرافية

تُجسِّد القدس المثال الأوضح لهذا الهوس الديموغرافي. فمنذ احتلال الشطر الشرقي للمدينة عام 1967، عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على تغيير ميزان السكان. بدأت ببؤر استيطانية صغيرة تحولت لاحقًا إلى مستوطنات ضخمة، وربطت القدس الشرقية بسلسلة من «الأحياء اليهودية» لتطويقها ، وأصدرت آلاف أوامر سحب الهويات من المقدسيين فضلًا عن بناء جدار الفصل العنصري الذي فصل القدس عن محيطها الفلسطيني .

ثالثاً : مؤتمرهرتسليا: وثائق الخوف

أكّد مؤتمر هرتسليا الأول (ديسمبر 2000) أن التحدي الأكبر لإسرائيل هو “المشكلة الديموغرافية”. ومنذ ذلك الحين، تحولت هذه القضية إلى بند ثابت في توصيات المؤتمر السنوي الذي يجمع نخبة المؤسسة الأمنية والسياسية والفكرية. وقد دعت الوثائق إلى:

– فرض قيود على البناء الفلسطيني.

– تعزيز الاستيطان في القدس والجليل والنقب.

– تشجيع ما يسمونه “الهجرة الطوعية” للعرب الفلسطينين وخصةصا أهل القدس

– طرح حلول جذرية كالتبادل السكاني أو الترحيل.

في مؤتمر هرتسليا السادس (2006)، جاء النص صريحًا: ” التحدي الأخطر أمام إسرائيل ليس إيران، بل الحفاظ على أغلبية يهودية داخل حدود الدولة” وهو اعتراف مباشر بأن بقاء الفلسطينيين وصمودهم أكبر تهديد استراتيجي.

رابعاً أطروحة الوطن البديل

إلى جانب ذلك، عاد بعض السياسيين الإسرائيليين للترويج لفكرة أن “الأردن هو فلسطين” وقد دعا موشيه آرنس وآخرون إلى تكريس هذا الطرح باعتباره “الحل الأمثل” للمسألة الديموغرافية أما إيهود أولمرت فذهب أبعد من ذلك حين طرح أمام واشنطن رؤيته بأن إقامة دولة فلسطينية غربي النهر مستحيلة، وأن الأردن هو المكان الطبيعي لتوطين الفلسطينيين ، ورغم أن هذا الخطاب لم يُعتمد رسميًا كسياسة، إلا أنه يعكس جوهر التفكير الصهيوني: إنكار حق الفلسطينيين في دولتهم على أرضهم، والبحث الدائم عن طرق للتخلص منهم ديموغرافيًا.

خامسا : البعد الإنساني والسياسي

هذه السياسات لم تبقَ على الورق. بل تُرجمت إلى واقع يومي يعيشه الفلسطينيون:

– تهجير قسري في القدس والضفة.

– حرمان من لمّ شمل العائلات

– حصار وقيود على التعليم والعمل والتنقل

– جدران وأسوار تفصل القرى عن بعضها

إنها محاولات منهجية لدفع الفلسطينيين إلى اليأس والهجرة، أي إلى ما يسميه الباحثون الإسرائيليون الترانسفير الهادئ.

سادسا: التاريخ كمعركة وجود

لقد أثبتت التجربة أن حل الدولتين ، لم يكن يومًا هدفًا حقيقيًا لإسرائيل، بل مجرد غطاء سياسي لفرض الوقائع. الغاية النهائية ظلت واحدة: السيطرة الكاملة على الأرض وطرد الفلسطينيين.

ومن هنا، فإن وعي الفلسطينيين والعرب بخطورة هذه الطروحات واجب وجودي. لأن إسرائيل لا تخشى فقط قوة السلاح، بل تخشى بقاء الفلسطينيين على أرضهم، وتخشى ذاكرة التاريخ التي تفضح مشروعها الاستعماري.

إن صمود الفلسطينيين هو الرد الحقيقي على هواجس إسرائيل الديموغرافية. فكل طفل يولد في القدس، وكل عائلة تتمسك ببيتها، وكل حجر وزيتونة تبقى في مكانها، هي شهادة حية على أن هذه الأرض لأصحابها.

المراجع:

[1] Herzl, The Jewish State, 1896.

[2] Pappé, Ilan, The Ethnic Cleansing of Palestine, 2006.

[3] Benvenisti, Meron, City of Stone: The Hidden History of Jerusalem, 1996.

[4] B’Tselem, Revocation of Residency in East Jerusalem, 2017.

[5] United Nations, Advisory Opinion on the Separation Wall, 2004.

[6] Herzliya Conference Proceedings, 2000.

[7] Herzliya Conference Proceedings, 2006.

[8] Arens, Moshe, Israel’s Security: The Jordanian Option.

[9] تصريحات أولمرت في Jerusalem Post وHaaretz (2004–2007).

[10] Human Rights Watch, Forget About Him, He’s Not Here, 2012.

[11] OCHA, The Humanitarian Impact of Israeli Measures in the West Bank, تقارير دورية.

باحثة ومؤرخة

 
 
 

تعليقات


bottom of page