top of page

نائلة الوعري: مراجعة لرواية «كلّ الأشياء الجميلة القابلة للكسر» للشاعر والروائي إبراهيم نصر الله

  • صورة الكاتب: O2 graphic
    O2 graphic
  • 1 ديسمبر
  • 2 دقيقة قراءة
ree

نائلة الوعري



حين بدأت بقراءة رواية «كل الأشياء الجميلة القابلة للكسر»، كنتُ أتوقع عالمًا يشبه أعمال إبراهيم نصر الله التي أعرفها: الروايات المليئة بالوطن، والتاريخ، وتفاصيل الإنسان الفلسطيني. لكنني منذ الصفحات الأولى شعرت أنني أمام عمل مختلف تمامًا.

أصابتني البداية بدهشة حقيقية ممزوجة بنوعٍ من الخوف؛ ليس خوفًا من النص، بل خوفًا من الاقتراب من عمق إنساني موغل في البدء، ومن أسئلة لا يمكن التعامل معها بخفة. لحظة الخلق الأولى ليست مشهدًا بسيطًا، بل هي باب كبير يفتح على دهشة الإنسان حين رأى العالم للمرة الأولى. نظرتُ طويلًا إلى الصفحات الأولى… ثم تركتُ الرواية جانبًا، كما لو أنني بحاجة لاستعداد نفسي للعودة إلى هذا العمق: عمق الوعي الأول، والرعشة الأولى، والدهشة التي تسبق التاريخ نفسه. وعندما عدت إليها لاحقًا، أدركتُ أنها ليست رواية تُقرأ بل تجربة تُعاش.



يبدأ إبراهيم نصر الله روايته من أقصى البدايات، من لحظة الوجود الأولى، حيث يقف الإنسان في مواجهة الفراغ والدهشة والخوف. ليست الرواية إعادة سرد لأسطورة الخلق، بل هي قراءة سردية دقيقة في لحظة التكوين الإنساني، حين يبدأ الإنسان بالسؤال قبل أن تتشكّل التجربة أو يبدأ التاريخ.

فجأة وجدت نفسي أمام آدم وحواء، أمام بداية الزمن، قبل الوعي، قبل اللغة، وقبل أن يصبح الإنسان إنسانًا كما نعرفه. أصابني النص بقدر من الخوف والدهشة. توقّفت قليلًا، وتركته جانبًا. كنت بحاجة لشيء من الهدوء لأعود إلى هذه اللحظة العميقة في التاريخ، ولأستوعب الدخول إلى عالم شديد البساطة… وشديد الغموض في الوقت نفسه.

حين عدت إلى الرواية، اكتشفت أنّ نصر الله لا يروي قصة الخلق كما نعرفها، بل يعيد النظر فيها بطريقة مختلفة: كيف رأى الإنسان العالم لأول مرة؟ كيف واجه الليل والماء والخوف؟ كيف بدأ بالسؤال قبل أن يفهم أي شيء؟


حواء تظهر في الرواية بصورة مختلفة تمامًا عن الصورة التقليدية. هي الأكثر انتباهًا، والأسرع فهمًا، والأقدر على قراءة العلامات الصغيرة حولها. وعلى الجانب الآخر، يبدو آدم متردّدًا، أبطأ في الفهم، وأكثر تعلّقًا بالدهشة الأولى. ولم أشعر لحظة أن هناك صراعًا بينهما، بل شعرت أن الكاتب يريد أن يقول إن الإنسان – منذ بدايته – كان يرى العالم بعينين مختلفتين.

الجنة، كما يقدّمها نصر الله، ليست مكانًا جاهزًا للراحة، بل مكان للتجربة: ماء يتحرك، ضوء يتغير، أصوات تظهر لأول مرة، خوف لا اسم له بعد. ومن أجمل جمل الرواية عبارة تقولها حواء: «لا أعرف طعم التفاح.» وكأنها تقول: ما زلنا في البداية… وما زال كل شيء جديدًا.

ومع تقدّم الرواية، يدخل آدم وحواء في مواجهة أكبر: مع الألم لأول مرة، مع الخوف الحقيقي، ومع فكرة الموت. ثم يظهر «قابيل»، لتبدأ المرحلة التي نسميها اليوم «التاريخ» بكل ما فيه من صراع وأسئلة صعبة.

أما النهاية، فهي هادئة ومفاجِئة معًا. يكسر الكاتب الحكاية ويتحدث إلى القارئ مباشرة، ليقول بطريقة بسيطة إن الإنسان – مهما تغيّرت الأزمنة – لم يتوقف عن طرح الأسئلة نفسها التي بدأ بها. هذه ليست رواية عن الجنة والخطيئة، بل رواية عن البداية الإنسانية، عن اللحظة التي حاول فيها الإنسان أن يفهم نفسه والعالم لأول مرة، وعن هشاشتنا التي ترافقنا منذ ذلك الزمن البعيد.

وفي نهاية القراءة شعرتُ أن الرواية لا تعيدنا إلى الماضي بقدر ما تضع مرآة أمام حاضرنا؛ فأسئلة الإنسان الأولى ما زالت هي نفسها أسئلتنا اليوم: عن الخوف، والمعنى، والبداية التي لا تنتهي. ولهذا كانت الرحلة إلى داخل الإنسان أكثر مما كانت إلى زمنٍ بعيد.


 
 
 

تعليقات


bottom of page