top of page

د. نائلة الوعري: مؤسسات المجتمع المدني” الهيئات الدينية” ودورها في المقاومة السلمية في مدينة القدس العاصمة 1917-2025

  • صورة الكاتب: O2 graphic
    O2 graphic
  • 7 سبتمبر
  • 6 دقيقة قراءة

تاريخ التحديث: 8 سبتمبر

ree



الجزء الاول

د.نائلة الوعري

تعتبر مؤسسات المجتمع المدني التي نشأت في مدينة القدس في أواخر الدولة العثمانية وما استجد منها بعد رحيلها عن المدينة ودخولها في قبضة الاحتلال البريطاني1917-1948م ومن ثم الصهيوني1948حتى وقتنا الحاضر الأداة القوية التي لعبت دورا مهما في تعبئة وحشد وتوجيه وتنمية المقاومة الشعبية السلمية في مواجهة المستعمر المحتل ومما يؤيد ذلك تشدد سلطات الاحتلال في منحها التراخيص اللازمة للعمل وحملة الملاحقات التي تعرضت لها والرقابة اللصيقة لأعمالها وحملات المداهمة والإغلاق لمقراتها المركزية والفرعية والعقوبات المشددة المفروضة على أعضائها ومنتسبيها.

ونلاحظ أن العقوبات المصدقة بحقها قد تراوحت ما بين الاهانة والضرب حتى الموت وتوجيه الدعوات لمراجعة مراكز الشرطة والأمن والتحقيق لساعات طويلة والاعتقال والسجن والإبعاد والترحيل والنفي والاقامات الجبرية وحظر دخول المناطق المغلقة كالبلدة القديمة والمسجد الأقصى ودفع الغرامات المالية الباهظة وسحب الهويات المقدسية لا بل والحرمان من التعبير عن مشاعر الفرح والابتهاج وحرمان الموتى في نعوشهم من السير في مواكب جنائزية هادئة تليق بهيبة الموت وتكريمهم إزاء ما قدموه للمدينة من أعمال وانجازات.


وفي سبيل الوقوف على حقيقة تلك المؤسسات ومدى انتشار وتطورها في المدينة والمناطق الفلسطينية التابعة لها منذ أن جثم الاحتلال على ترابها الوطني ما بين1917-2025م ودورها في المقاومة السلمية على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية فقد تم عرضها في (12) مؤسسة وطنية نشأت في مدينة القدس وفتحت مراكزها الفرعية في المقاطعات الفلسطينية وذلك تحت عنوان”مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة بالمقاومة الشعبية السلمية1917-2025م” وتتمثل في الآتية:-

الهيئات الدينية:

وتشتمل على جميع الهيئات الدينية الإسلامية والمسيحية وتعد أهم الهيئات والدوائر ومؤسسات المجتمع المحلي الفلسطيني القائمة على تعبئة وحشد وتنمية وتوجيه أهالي فلسطين ومن شد الرحال إليهم من أهالي الأقاليم العالم العربي والإسلامي والعالم وقيادتهم في فعاليات المقاومة الشعبية السلمية في مواجهة المستعمر المحتل والدفاع عن التراب الوطني والمقدسات وقيمها الروحية السامية والتي ترفض جميع الممارسات التي يقوم بها الاحتلال وتعمل على الحد من نشاطاتهم في ممارسة شعائرهم وعباداتهم وطقوسهم الدينية والسير بمواكب الموتى والجنائز بعد الصلاة عليهم وفق ما يليق بها وما تحتمه عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم المتداولة والمكفولة بالشرائع السماوية والقوانين الوضعية بحجة أنها خروج عن النسق الديني والروحي لتحقيق غايات سياسية واجتماعية وخدمة الجماعات الإرهابية.


وبالرغم من طول فترة الاحتلال الذي خيم على المدينة المقدسة منذ عام 1917م وكثافة خبراته وكثافة مستشاريه المتخصصين بالدراسات الاستشراقيه الا انه لم يقنع حتى الآن بان الأديان السماوية جاءت لإرساء دعائم ومبادئ الحرية والعدالة ومكافحة الظلم والطغيان والعبودية وهو ما حملت رايته للبشرية جمعاء مدينة القدس بصفتها عاصمة العالم الروحية منذ أقدم العصور وما تزال جميع الهيئات الدنية التي تولت الإشراف على أماكنها الدينية المقدسة منذ العهد العثماني وما استجد من مراكز ومؤسسات تتعلق بها واستمرت في عملها الروحي والثقافي والإرشادي والاغاثي ما بين 1917-2025م وتتألف من المساجد والجوامع والمقامات الزوايا والتكايا والمدارس والكليات الشرعية والكنسية والأروقة ومساطب العلم ودور الأيتام والكنائس والأديرة المنتشرة في الأراضي المشمولة ببلدية المدينة.

ويأتي المسجد الأقصى وكنيسة القيامة في مقدمة المراكز والمؤسسات الدينية التي كانت وما زالت تلعب دورا مهما في حمل رسالتها الروحية وتكوين وبلورة ثقافة المقاومة الشعبية بمواجهة المستعمر المحتل بكل أبعادها الدينية والاجتماعية من حيث بلورة فكر المقاومة ووعيها وتوجيهها والعمل على ديمومتها وتعزيزها بجموع الزوار والمتعدين والزهاد الوافدين من كافة أنحاء العالم لزيارتهما وهو ما جعل المسجد الأقصى وكنيسة القيامة مركزا للمجاورة والمرابطة والحشد والتعبئة والتجمع والاستعداد والمواجهة.

ومما يؤد ذلك المواقف والإجراءات التي اتخذها الاحتلال بحق من يؤمها وعرقلة دورها الروحي والثقافي والإنساني منذ أن جثم على ارض مدينة القدس عام1917م حتى اليوم وتحويلها إلى ثكنات عسكرية للحيلولة دون قيام المصلين والمتعبدين من أداء شعائرهم الدينية بعيدا عن حرابه والرقابة اللصيقة التي تفرضها عيونه وأجهزته الاستخبارية وتقنياته المتطورة والتي أظهرتها عدسات الصحفيين الأجانب في أكثر من مرة ولم تسلم منها الجهات الرسمية الأوروبية الرفيعة المستوى التي زارت المدينة وشاهدت على ارض الواقع إزاء ما تقوم به أجهزة الأمن الإسرائيلية من مضايقات غير مبررة في أروقتها الدينية كما حصل مع الرئيس الفرنسي ماكرون مساء يوم22/1/2020م في كنيسة القديسة آن عندما اضطر لمخاطبة احد أفراد الشرطة الإسرائيلية بقوله:”لا أحب ما فعلتم أمامي اخرجوا من فضلكم….أنا آسف لكننا نعرف القواعد”معيدا للأذهان المضايقات التي تعرض لها الرئيس الفرنسي جاك شيراك عام1996م

ومن الشواهد الدالة على ذلك الحصار المحكم الذي فرضه الاحتلال البريطاني والمراقبة الحثيثة على المسجد الأقصى من خلال قوات البوليس والشرطة السرية لمراقبة قيادات المقاومة السلمية وأنشطتهم الاجتماعية والسياسية في المسجد والقائمة على نشر الوعي الوطني وعقد حلقات العلم والدرس والحض على التكافل والتضامن وإصلاح ذات البين وتقديم واجبات الضيافة للزائرين من جانب الهيئات الدينية عملا بما نصت عليه أوقافها المنقولة وغير المنقولة وما جادت به نفوس أهل الخير وأصحاب النذور والوصايا واعتقال بعضهم وفرض الإقامة الجبرية عليهم ومنعهم من دخول المسجد لفترة محددة على خلفية الإقامة اليومية في رحابه لغايات الرباط وعقد حلقات العلم باعتبارها إحدى مجالات المقاومة الشعبية السلمية في المدينة.

وغالبا ما برر المستعمر المحتل إجراءاته التعسفية بحق المقدسات وأهلها بحجه الواهية والقاضية بتنظيم حركة المرور في محيط المسجد والكنيسة ومنع التدافع والازدحام والسهر على راحة الزائرين ولم يلتفت إلى التجاوزات التي تقوم بها دوائره الأمنية والعسكرية والتي تتطاول على حقوق العبادة وخرق القواعد والأعراف التي أتاحت للمصلين اليهود بالمرور من زقاق البراق في حارة المغاربة والوقوف قبالة حائط البراق والذي يعد جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى تبعا للتقرير الذي صدرته لجنة شو بعد تحقيقها في الأسباب الكامنة خلف قيام انتفاضة البراق عام1929م إزاء التعديات التي تعرض لها الحائط على أيدي المستوطنين اللذين هتفوا على مسمع من البوليس البريطاني بان الحائط حائطهم .

وباحتلال الشطر الشرقي من المدينة عمدت سلطات الاحتلال إلى هدم حارة المغاربة البالغة (153)دونم بعد أربعة أيام من الاحتلال وتوسيع ساحة البراق مما يمكنها من استيعاب اكبر عدد من المصلين اليهود وبناء حي يهودي على أنقاضها للتحكم بحركة عبور الأهالي من باب المغاربة المفضي للمسجد الأقصى واحتلال المدرسة التنكزية القائمة بجانب الباب في سوره الغربي وإحالتها إلى قاعدة عسكرية لشرطة حرس الحدود بحجة حماية المصلين اليهود في ساحة المبكى وفي حقيقة الأمر حماية المستوطنين اللذين يقتحمون المسجد الأقصى ويعلنون صبح ومساء حقهم في الصلاة فيه والسعي إلى التقاسم الزماني والمكاني مع العرب أسوة بالمقاسمة التي فرضها الاحتلال في المسجد الإبراهيمي في الخليل.

ويشارك في اقتحاماته شخصيات رسمية من الحكومة وتتمثل بعضو الكنيست المتطرف من حزب الصهيونية الدينية تسفي سوكوت ووزير الأمن الداخلي ايتيمار بن غفير واديا طقوسا دينية تلمودية في المسجد وثمن ابن غفير عاليا اقتحامات المستوطنين للمسجد خلال الأعياد اليهودية والتي تمتد ل(10)أيام منذ 12/4-22/4/2025م وان ما يجري في عهده انجازات غير مسبوقة منذ (30)عاما بينما رأت دائرة الأوقاف الإسلامية خرقا سافرا للوضع التاريخي والديني والقانوني القائم

وبمرور الزمن أصبحت الوحدات العسكرية المتركزة في المدرسة التنكزية وغيرها من المراكز القائمة عند أبواب المدينة الخارجية وبوابات المسجد الأداة القوية في تنظيم وحماية اقتحامات المستوطنين وكبار المسئولين المدنيين والعسكرية الداعين للسيطرة على المسجد وتقسيمه زمانيا ومكانيا وإنفاذ الإجراءات القمعية بحق المصلين علاوة على الرقابة اللصيقة التي يفرضها الاحتلال على المصلين والزوار داخل المسجد وخارجه عبر الطائرات العمودية والمسيرة والمناطيد الثابتة والمحركة والشبكات التكنولوجية بحجة مساعدة الشرطة في تنظيم حركة المرور ومنع الازدحام والتدافع وخاصة في شهر رمضان وهو ما يمكن مشاهدته بكل وضوح ووثقته عدسات المراسلين ووكالات الأنباء ناهيك عن الإصرار المتواصل التي تسعى من خلال الدوائر الصهيونية الرسمية والجمعيات الاستيطانية في السيطرة على العقارات القريبة منه لاتخاذها نقاط للمراقبة المتقدمة والتجسس والبحث الأثري في محيطه.

وعلى الصعيد نفسه لم تسلم المقدسات المسيحية وفي مقدمتها كنيسة القيامة من التدنيس وزوارها من القمع والتنكيل الذي مارسه الاحتلال بحق المتعبدين من أهالي المدينة ومن شد الرحال للزيارة والعبادة إليها من كافة أنحاء العالم وفي مقدمتها المقاطعات الفلسطينية وتتجلى في الإجراءات اللانسانية التي تمارسها سنويا بحجة تنظيم الزيارة والحد من التدافع والحفاظ على سيادة القانون في الشوارع والممرات المؤدية إلى كنيسة القيامة وغيرها من دور العبادة من نصب الحواجز والمضايقات التي تفرضها على جموع المتعبدين لا بل ومنع أي فعالية تشير إلى دور الأماكن الدينية المقدسة في العمل الاجتماعي وقيادة المقاومة الشعبية وتنظيمها وانطلاقها من رحابها.

وتتجلى مشاهد القمع الذي وثقته وسائل الإعلام المختلفة لموكب زيارة قداسة البابا للبلدة القديمة من مدينة القدس والمسجد الأقصى صباح يوم26/5/2014م والموكب الجنائزي الخاص بالإعلامية شيرين أبو عاقلة التي اغتالتها قوات الاحتلال على ارض مخيم جنين صبيحة يوم 11/5/2022م والذي نظمته القيادة الشعبية المسيحية والإسلامية في مدينة القدس وأبهرت العالم في تماسكها وقدرتها على تحدي إجراءات الاحتلال التي حاولت فرض شروطها على مسيرة مراسيم التشييع والتي امتدت من المستشفى الفرنساوي في الشيخ جراح إلى كنيسة الروم الكاثوليك الملكيين في باب الخليل ومنها إلى مثواها الأخير في مقبرة صهيون.

ومما لا شك فيه فان إجراءات الاحتلال القمعية تتعارض مع قواعد القانون الدولي والمادة (18)من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تكفل لكل إنسان حق في حرية الفكر وممارسة شعائره الدينية وعلى الدولة القائمة بالاحتلال عدم انتهاك حرمة المقدسات والمساس بالحريات الدينية التي كفلتها الشرائع والمواثيق الدولية، والالتزام بمضامين المادة(53)من بروتوكول جنيف الأول لسنة 1977م التي حظرت الأعمال العدائية الموجهة ضد أماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي والروحي للشعوب .

ويقوم على رعاية شؤون المؤسسات الدينية عدد كبير من الخدمة والموظفين في جميع المجالات الاجتماعية وعملوا في فترة الانتداب تحت مظلة المجلس الإسلامي الأعلى بصفته مؤسسة فلسطينية عمل على تعويض المظلة التي فقدتها مع رحيل الدولة العثمانية ومع الوحدة الأردنية الفلسطينية غدت تمارس عملها ضمن مظلة الحكومة الأردنية وما زالت بالرغم من فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية عام1988م وقام على إدارة وتنظيم الشؤون الدينية الخاصة بالمسلمين الهيئة الإسلامية العليا والتي تشكلت من هيئة من علماء الشريعة واعيان المجتمع في 24/7/1967م وشملت صلاحياتها مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية والمحاكم الشرعية ولجنة اعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة .

وتتميز تلك المؤسسات بسعة انتشارها في المناطق المشمولة بتنظيمات المجلس البلدي الخاص بالمدينة وقوة تأثيرها في تعبئة وحشد وتوجيه وتنمية وتعزيز المقاومة الشعبية السلمية على كافة الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية وبإمكانها إيصال رسالتها السامية إلى كافة أنحاء العالم عبر الحضور المباشر والمشاهد الحية التي تبثها عبر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وشبكات التواصل الاجتماعي وهو ما يفسر الإجماع العام الذي يقدمه المختصين والمتابعين للمقاومة السلمية في المدينة والقاضي بان المساس بالأماكن الدينية المقدسة كان وما زال عاملا مهما في تنمية المقاومة السلمية وتعزيزها في المدينة ويمكن أن ينقلب إلى مواجهة عسكرية عامة في فلسطين كما حصل في المواجهة التي خاضتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وفي مقدمتها كتائب القسام التابعة لحركة المقاومة الإسلامي”حماس”وامتدت إلى(650)يوما ابتداء من7/1/2023م.حتى تاريخ اصدار الكتاب.

كاتبة فلسطينية

 
 
 

تعليقات


bottom of page